کد مطلب:195858 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:307

العدوی والجراثیم
قال الامام جعفر بن محمد الصادق «ع» [1] : لایكلم الرجل مجذوماً إلا أن یكون بینهما قدر ذراع وفی لفظ آخر قدر رمح.

وهذا من أوضح الدلالات علی وجود العدوی فی الاسلام، وأنها تكون بواسطة الجراثیم وقد أثبت علم الطب الحدیث باكتشاف علماء (البكتریولوجیا) إجماعاً أن میكروب الجذام یندر وجوده فی الهواء حول المصاب أكثر من بعد مسافة متر أو متر ونصف متر وربما كان كذلك فی المسلولین، وهو قول الامام «ع» ولا غرابة فی معرفة الامام بهذا وأمثاله، بعد أن كان من الراسخین فی العلم، ومن الذین اختارهم الله تعالی لسره وأطلعهم علی غامض علمه. وبعد أن ورد عن



[ صفحه 32]



النبی (ص) قوله: فر من المجذوم فرارك من الأسد [2] وقوله (ص): لاتدخلوا بلداً یكون فیه الوباء [3] وقوله صلی الله علیه وآله: لا یوردن ممرض علی مصح [4] إلی غیرها من الأحادیث الدالة علی ذلك.

إذن فالاسلام مثبت علی هذا وجود الجراثیم المرضیة وعدواها وانها موجودة فی جسم المصاب، وذلك قبل أن یكتشفها الدكتور الافرنسی (دافین) فی سنة 1850 وقبل أن یشاهدها بمجهر الدكتور (باستور) فی أواخر القرن التاسع عشر.

هذا مضافاً إلی أن العقل یحكم بوجودها فی الأمراض الساریة المعدیة وذلك لأن المرض لم یكن فی الأجسام الاّ عرضا واردا علیها، ومن المسلم أن العرض لا یمكن أن یقوم بذاته فی الخارج دون أن یعرض علی جسم آخر یقوم به، فاذا قیل انتقل المرض فمعناه: أن الجسم الحامل له هو المنتقل به، ولیس المكروب إلا هذا الجسم الناقل، ولم یرد النهی عن دخول البلد التی فیها الوباء أو الأمر بالفرار من المجذوم أو عدم ورود الممرض علی المصح إلی غیر ذلك إلا لغرض عدم إنتقال هذا الجسم الحامل للمرض (الجراثیم) من السقیم إلی السلیم ولیست العدوی إلا هذا.

بقی هنا أن تنظر إلی ما أخرجه رواة الحدیث من الفریقین باسناد صحیحة عن رسول الله (ص) من قوله: لا عدوی ولا طیرة [5] إلی غیره بالفاظ أخر فهو یؤل بأحد معنیین:

الأول: إن دین الاسلام جاء بنوامیس تمنع من المام أی من الأوباء الموجبة للعدوی، فقد نهی عن أقسام الفجور المستتبعة للامراض الساریة كما جاء باصول



[ صفحه 33]



الصحة جمعاء، فقد نهی مثلاً عن الأكل قبل الجوع والكف قبل الشبع مما یمنع السدود وفساد الاخلاط والتخمة التی هی من أمهات الأمراض إلی غیر ذلك مما یضیق به هذا المختصر، ثم حرم الأشیاء الضارة كلها، كما أثبت الطب أضرارها وأضرار إستعمالها بعد التجارب العلمیة والعملیة. إذاً فمتی إلتزم المسلم بها أی بتلك الآداب والارشادات والسنن والأحكام والتعالیم فانه لا یكاد یجد لأی مرض إلماماً به مما یستتبع العدوی عدا طفایف تتكیف بها النفس من حر أو برد وأمثالهما مما لا عدوی فیها.

وهذا المعنی یناسب نفی الذات الظاهر فی الحدیث.

الثانی: أن الاسلام بنسب كلیة التأثیر فی الأجزاء الكونیة بالمبدأ الأقدس سبحانه وتعالی، فلا یری المسلم المعتنق لهذا الدین الحنیف أن تلكم الأمراض تستلزم العدوی بانفسها لامحالة (كما هو مزعمة الجاهلیة) وإنما یعتقد أن ذلك التأثیر محدود من المبدأ الحق سبحانه، وهذا هو المقصود بالطیرة وإن ما یتطیر به غیر مستقل بالتأثیر، ولایكون إلا ماشاء الله، فاذا إعتقد الانسان ذلك اكتسح عنه الاضطراب بما یتطیر به لانه أمر مردد بین مقدر وغیر مقدر والأول (المقدر) لا ندحة له والثانی (غیر المقدر) لا یصیبه البتة وربما ینفی عنه بهذا الاعتقاد أصل التطیر، فلا یتطیر بعد. ومن هنا كان (ص) یقول: ان الذی أنزل الداء أنزل الدواء [6] .

قال الطیبی [7] لا، التی لنفی الجنس دخلت علی المذكورات فنفت ذواتها وهی غیر منفیة، فیوجه النفی إلی أوصافها وأحوالها التی هی مخالفة للشرع فان الصفر والعدوی والهامة موجودة، والنفی مازعمت الجاهلیة لا إثباتها فان نفی الذات لارادة الصفات أبلغ فی باب الكنایة (إنتهی).



[ صفحه 34]



وهناك معان أخری للحدیث، یتأتی بها الوفاق بینه وبین مامر، إقتصرنا علی ماذكرها روما للاختصار.

والآن وبعد ذكرنا للجراثیم ناسب أن نذكر لك نبذة مختصره عن تاریخها وأثرها فی الأجسام، وكیفیة ورود العدوی بواسطتها وحسب الطب الحدیث إتماماً للفائدة وإیضاحاً للبحث.


[1] الوسائل ج 2 ص 208 طبع عين الدولة.

[2] البحار ج 16.

[3] مجمع البحرين في باب عدوي وفي صحيح مسلم ج 2.

[4] صحيح مسلم ج 2.

[5] صحيح مسلم ج 2 ص 259.

[6] كشف الأخطار المخطوطة.

[7] بكسر الطاء والياء الخفيفة، هو الحسن بن محمد بن عبد الله المحدث المفسر المتوفي سنة 743 هـ.